...

اشتر بالتي هي أحسن!

لكل مقام مقال، ولكل سوق احتياجاته وخصائصه وقوته الشرائية وطبائع المستهلكين فيه، ورائد العمل الذي يصمم خدماته أو منتجاته بناء على معتقداته وليس معتقدات السوق يخاطر بالفشل في مشروعه منذ البداية، فقوى السوق أقوى من قواك العقلية، وليس من الضرورة أن تطابق آراؤك في منتجك أو خدمتك آراء المستهلك.

ولا يمكن استدامة عملية تقديم رائد الأعمال لخدمته أو منتجه من خلال الحصول على دعم حكومي، أو عبر الإبهار الأولي والإعلان غير الحقيقي أو تمرير صفقة أو اثنتين بطرق ملتوية، ولا يمكن أبدًا فرض نموذج: اشتري بالتي هي أحسن.

هذا النموذج كان سائدا في الدول الاشتراكية مثل الاتحاد السوفيتي البائد وغيره، حيث تولت الدولة تخطيط الاقتصاد والأسواق بمركزية شديدة وبناء على قناعات الحزب الحاكم وليس احتياجات المستهلكين الحقيقية، فاختل التوازن بين العرض والطلب، ومعظم ما تقدمه شركات القطاع العام لا يغدو كونه منتجات رديئة لا أحد يرغب بها، لكنه مرغم على شرائها.

لكن في الاقتصاد الحر في دولة مثل البحرين، لا يمكن لأحد أن يرغم أحدًا على شراء منتج دون غيره، وهذا يصب في مصلحة المستهلكين الذين يفترض أن يحصلوا على أعلى جودة بأفضل سعر، لكنه يضع رجال ورواد الأعمال أمام خيارين: إما تقديم منتجات وخدمات قادرة على التميز والمنافسة وتلبية احتياجات الأسواق بفعالية، أو الخروج من السوق.

يزداد الأمر صعوبة عند التفكير بالتوسع، والخروج بالمنتج أو الخدمة إلى أسواق أخرى، وعندما يفكر رواد الأعمال في التوسع لتنمية أعمالهم التجارية يقومون بذلك عبر طريقتين رئيسيتين: توسيع عرض منتجاتهم الحالية إلى مواقع جغرافية جديدة وتوسيع نطاق تلك المنتجات لتشمل تقديم منتجات أو خدمات جديدة للعملاء الحاليين، وفي معظم الحالات تنجم الحاجة إلى التوسع عن الطلب المتزايد على منتج أو خدمة من قبل العملاء، أو فني وجود حاجة للشركات لإيجاد مصادر دخل جديدة أو زيادة الوعي بالعلامة التجارية أو تجنب المنافسة.

يجب على رواد الأعمال دراسة هذه الخطوة بعناية، ففي حالات عديدة تسبب التوسع في أسواق جديدة إلى انهيار الشركات وعدم القدرة حتى للرجوع للوضع السابق، قد يكون السبب ضعف في الإدارة المالية أو الإدارة التنظيمية، لكن في حالات كثيرة كان السبب هو عدم فهم الأسواق الجديدة التي يتم التوسع فيها.

عندما تقابل شخصان أحدهما من الولايات المتحدة والآخر من الخليج، هل من الصحيح أن تحييهم بنفس الطريقة؟ من الطبيعي جدًا أن تمد يديك وتحني رأسك وتقبل في الخليج ولكن ليس في الولايات المتحدة، هذه هي درجة الاختلاف التي ينطوي عليها التبادل الشخصي بين شخصين من دولتين مختلفتين، تخيل كيف يكون التعامل مع السوق بأكمله.

الأسواق مختلفة تمامًا، لا يوجد اثنان متشابهان، لهذا لا يمكن التعامل مع سوق معين بنفس الأساليب والآليات التي يتم التعامل مع باقي أنواع السوق، ومن المهم جدًا أن يكون لديك رؤى أساسية لطبيعة كل سوق من أجل القيام بالأعمال التجارية بنجاح.

يستغرق الأمر وقتًا وقدرًا كبيرًا من التفاعل ودراسة على أسس عملية، حتى تكون قادرًا على فهم الأساسيات الأساسية وديناميكيات التغيير السائدة في السوق المستهدف، وهذا هو أساس النجاح، للمشاريع التجارية خاصة عندما يتعلق الأمر بالتوسع والانتشار.

من المهم النظر إلى كل سوق على حدة. الأسواق تتكون من الأشخاص الذين يشكلون جزءًا منها. يمتلك هؤلاء الأشخاص تاريخًا وثقافة ولغة ونهجًا فريدًا ويجب تقديره. يعد قضاء الوقت لفهم كيفية تصرف الأسواق أحد أهم الخطوات في بناء الأعمال التجارية.

تذكير لرواد الأعمال

لا تعتمد على النجاحات في سوق ما وتتوقع نجاحها في حال تكرارها في سوق آخر بشكل أعمى، حتى عندما يكون لديك نجاحًا باهرًا في سوق معين، يجب عليك التعامل مع كل سوق جديد كما لو كنت تبدأ مشروعًا جديدًا.

https://www.albiladpress.com/news/2022/5100/columns/777426.html

Related Articles

فرشة بعد الجائحة

أتجول في شوارع البحرين، أرى رجالاً وشبابًا يكدحون لكسب لقمة عيشة بشرف، يجلسون في أماكن عامة خلف “أرزاقهم”، ثلاجة سمك، أو مكسرات، أو ألبسة وألعاب أطفال، أو طاولة عليها تمر وحب شمسي وخس …

عِزَّت عاد وباشر عمله

أتذكر في الأفلام العربية القديمة دور الرجل الشرقي في الخمسينيات والستينيات وهو ذاهب لعمله في الصباح الباكر قبل أن يتوقف لدى “الكشك” ليشتري الصحف اليومية التي كانت تحتوي الأخبار من نوع “عزت …

الفاتنة والوحش

في عالم ريادة الأعمال، “الفاتنة” هو ذلك الفتى المتحمس المشمر عن ساعديه الذي تتخبط أفكار في ذهنه تحرمه من النوم، يعمل يوميا 18 ساعة لتحويلها إلى مشروعات يرى أنها ستغير محيطه والعالم، وأن أياما …

الوقت غير مناسب

ريادة الأعمال وحب المغامرة ودخول التحديات حالة ذهنية واستعداد نفسي وجسدي قبل أي شيء آخر، متقدة دائما، تجعل نفس صاحبها متوثبة للقفز والتفاعل مع كل ما هو جديد، وعدم الركون إلى دائرة الراحة …

تعلم.. ولا تتحلطم!

في كل يوم يمر نبتعد في البحرين عن “الاقتصاد الريعي” الذي يقوم في جزء منه على توزيع جانب من عوائد موارد الدولة على الموظفين دون اقتران ذلك بالضرورة بمدى انتاجيتهم، مقابل اقترابنا أكثر من نظام …