...

درس من “درب الزلق”

يقدم المسلسل الخليجي الأشهر “درب الزلق” في إحدى مشاهده -عن قصد أو بدونه- رؤية اقتصادية وتجارية بالغة الأهمية، من خلال “ماكينة الأفكار التجارية الفاشلة” الممثل الراحل عبدالحسين عبدالرضا الذي اقترح على سعد الفرج افتتاح محل أحذية، ليرد الفرج بأنه من الأفضل افتتاح محل باجة، وإلى جواره مخبز، وإلى جواره فندق، ووسط استغراب عبد الرضا يدافع الفرج عن فكرته: زبون الباجة لا بد يحتاج إلى خبز، وبعد تخمة الباجة والخبز سيتعب فيجد أمامه الفندق الذي لا بد يغريه بالدخول والراحة والنوم فيه.


هذا بالضبط ما نسميه اليوم “إيكو سيستم” اقتصادي متكامل، يعمل بتناغم بين جميع مكوناته، ويعود بالفائدة على الجميع، ويحقق الازدهار والتنمية.


أهمية هذا “الإيكو سيستم” تبرز بشكل أكبر هذه الأيام مع التحديات الاقتصادية الجمة التي تعيشها شركات ومؤسسات كثيرة لم تتعاف بعد من التبعات السلبية لجائحة كورونا، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال، بما يشكلونه من ركيزة أساسية في اقتصاد أي دولة، صغيرة كانت أو كبيرة.


وتعمل الدول على خطط مساعدات ودعم لرواد الأعمال وإن لم تكن هي الحل الأمثل لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح، ويبقى أساس الإصلاح هو قدرة الرواد على المرونة وخلق فرص اقتصادية تدفع في اتجاه الخروج من الآثار السلبية لتوقف الأعمال التجارية على مدى العامين ونصف الماضيين.


لا توجد طريقة أفضل لحل التحديات من المقولة الشعبية “قوم تعاونوا ما ذلوا” من خلال بدء الشركات التجارية بين المؤسسات الصغيرة المتضررة، فالكل شركة مهما تضررت عناصر مساعدة للنجاح من الممكن العمل على استثمارها وتكملتها مع عناصر نجاح أخرى من شركة أخرى، فمن الممكن أن نشهد شراكة بين مطعم متضرر وشركة تسويق، أو بين صاحب عقارات وبين مركز تدريب، أو صاحب صالون وبين شركة تكنولوجيا.


لا يوجد حدود للإبداع والابتكار متى ما شاهدنا شراكات من هذا النوع، إن تسخير نقاط القوة وقدرات الآخرين من زوايا مختلفة هو أحد أكثر الطرق الإستراتيجية الناجحة للمؤسسات لتوسيع نطاق ابتكاراتها وحل التحديات الصعبة في بيئة اليوم سريعة التغيير، فلا يعتبر نهج العمل الفردي استراتيجية جيدة للنمو، يجب على رواد الأعمال البحث عن طرق جديدة لدفع الابتكار التعاوني الذي يقدم ما يحتاجه العملاء اليوم وفي المستقبل.


الشراكات الإستراتيجية تساعد الجميع من مؤسسات وموظفين وعملاء، عن طريق توسيع شريحة العملاء وزيادة الأسواق المستهدفة، كما يستفيد العملاء من الابتكار التعاوني في العروض التي يقدمها هذا النوع من التعاون والابتكارات المقدمة على مستوى الخدمة، أما بالنسبة للموظفين فتوسيع فرصهم التنموية من خلال التعامل مع وجهات نظر وخبرات جديدة. وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن تعميق الروابط بين رواد الأعمال وشركاتهم يعزز التعاون والقدرة على النجاح لفترة أطول.


قد لا يفضل بعض رواد الأعمال الشراكة مع شركات تتنافس معه على تفس العملاء أو الأرباح، وقد لا يشعر بعض الموظفين بالحاجة إلى التعاون داخليًا بطرق جديدة أو غير معتاد عليها، رغم ذلك، فإن واقع المشهد الاقتصادي يوضح أن الشراكات هي المفتاح لخدمة العملاء بشكل أفضل من خلال دمج المواهب والخبرات والتكنولوجيا لتقديم خدمات مبتكرة توائم التغييرات الاقتصادية، من دون التغافل على ضرورة الدراسة المتأنية للشراكات.


نصيحة للرواد
أغلب رواد الأعمال يفضل طبيعة العمل الريادي المنفرد، والقدرة على اتخاذ القرار بحرية مطلقة، وقد يكون هذا السبب الرئيسي لعدم تفضيل الشراكات في العمل الحر، وللتغلب على هذه المسألة يجب تحديد صلاحيات ومسؤوليات كل شريك بناءً على الخبرات والمهارات، وتفضيل المصلحة العامة للمؤسسة على الحريات الشخصية التي قد لا تستمر في حال تعثر المشروع.

https://www.albiladpress.com/news/2022/4967/columns/758788.html

مقالات ذات صلة

عِزَّت عاد وباشر عمله

أتذكر في الأفلام العربية القديمة دور الرجل الشرقي في الخمسينيات والستينيات وهو ذاهب لعمله في الصباح الباكر قبل أن يتوقف لدى “الكشك” ليشتري الصحف اليومية التي كانت تحتوي الأخبار من نوع “عزت …

كيس الأفكار

كثيرًا ما أجتمع مع شباب ورواد أعمال يتحدثون أمامي عن كثير من الأفكار بحماسة، أناقشهم وأعطيهم عصارة تجاربي ونصائحي، بل أصبح متحمسا لفكرتهم أكثر منهم، لكن كثيرا ما أندم عندما ألتقي فيهم بعد …

ماذا يقول “جوجل” عنك؟

أنا، وربما أنت والعديد من الناس، جرّبوا لمرة واحدة على الأقل أن يبحثوا عن أسمهم في جوجل، ومن وجهة نظري إذا وجدت اسمك في أول ثلاثة أسطر أعلى صفحة البحث ومثلها من الصور المختلفة لك، فأنت ناجح …

الفاتنة والوحش

في عالم ريادة الأعمال، “الفاتنة” هو ذلك الفتى المتحمس المشمر عن ساعديه الذي تتخبط أفكار في ذهنه تحرمه من النوم، يعمل يوميا 18 ساعة لتحويلها إلى مشروعات يرى أنها ستغير محيطه والعالم، وأن أياما …