من شارع الهرم إلى ريادة الأعمال
تثير الأعمال التلفزيونية الخليجية التي تعرض في رمضان الكثير من الشد والجذب، فالمشاهد الخليجي في الغالب يرى الأعمال الفنية كمرآة للواقع، وما يعرض في المسلسلات الدرامية يجب أن يطابق الشخصيات في الواقع، بغض النظر عن كون الفن لا يقتصر فقط على الرسائل للمجتمع بل قد يكون فقط من أجل الترفيه، والترفيه بحد ذاته رسالة وهدف من المنتجين لاستقطاب الجمهور خاصة في الخليج بعد الثورة في قطاع الترفيه التي تشهدها المنطقة وخاصة المملكة العربية السعودية والاهتمام الكبير بالأعمال الفنية والفنانين وهو ما يشكل قوة اقتصادية وعوائد كبيرة.
وقد توجهت الأنظار هذه السنة نحو مسلسل “من شارع الهرم” قصة الكاتبة هبة مشاري حمادة ومن بطولة الفنانة هدى حسين وتدور قصته عن أم طبيبة ولديها 5 أولاد كلهم أطباء بتخصصات مختلفة، وتملك مستشفى طبيًّا يجمعهم، وتدور الأحداث حول المشاكل العائلية التي يواجهها أبطال العمل مع زوجاتهم وأبنائهم وكيف يتأثرون بالعوامل المجتمعية ودخول مختلف الناس في حياتهم من الراقصة التي تحاول هدم العائلة، إلى الشاب المجرم الذي يحاول تشويه صورة الدكتور إلى مشاكل تعدد الزوجات وغيرها من الأحداث التي قد تشهدها أي عائلة، ولا يعني بهذا أن كل العوائل الخليجية قد تعاني من نفس المشاكل أو أن هذه العائلة هي انعكاس للمجتمع والواقع، ومن هنا انطلقت الأصوات بين مؤيد ومعارض، ووصل هاشتاق مسلسل “من شارع الهرم” إلى أعلى ترند في السوشيل ميديا من بداية الشهر الفضيل.
بعيدًا عن النقد الفني للعمل، وكرائد أعمال يهمني التأثير التجاري لهذه الأحداث، فما حصل مع المسلسل تكرر في السنوات السابقة مع الكاتبة هبة مشاري حمادة في جميع أعمالها الأخيرة تقريبًا، ونفس الأصوات ونفس الانتقادات تكررت أيضًا وهو ما خلق نوعًا من التسويق لأعمالها قبل أن تعرض، وهذا ما جعل شبكة الإم بي سي تكرر التعامل معها بإنتاج أضخم في كل عمل من العمل الذي يسبقه، وهذا واضح من خلال عدد الفنانين والديكورات وأماكن التصوير والسيارات وغيرها من الأمور الواضحة لأي مشاهد بعيدًا عن الخلفية الاقتصادية أو الفنية.
وأنت كرائد أعمال ومبادر كيف تستفيد من هذه التجربة؟ بعيدًا عن الصح والخطأ وعن التقييم الفني، تجاريًّا يجب على رائد الأعمال فهم المستهلك وطبيعة استهلاكه للمنتج أو الخدمة المستخدمة، فعمل مثل مسلسل من شارع الهرم يتابعه المؤيد والمعارض، وهذا ما يرفع من نسبة المشاهدات والتي بطبيعة الحال ترفع من سعر المعلنين في المسلسل أو الإعلانات التلفزيونية خلال ساعة العرض، وهذا ما يجعل المنتجين أكثر إصرارًا لهذا النوع من الأعمال التي تقدم عائدًا استثماريًّا مرتفعًا.
هناك حكمة أميركية تقول “لا توجد دعاية سيئة”، وهذه المقولة تصح إلى حد بعيد بشرط واحد، أن يتمكن صاحب المنتج أو الخدمة من إدارة الأزمة بشكل صحيح، فالدعاية السيئة قد تصبح جيدة، بل ووسيلة للشهرة، إذا تمكن المعني بها من استثمارها لصالحه، بل ربما الظهور بمظهر الضحية، وجذب المزيد من المتعاطفين بل والمؤيدين.
وتوجد فواصل رفيعة بين التشويق والابتذال، الدعاية والخداع، التسويق والتهويل، ويجب الإقرار بأن العمل التجاري ليس عملًا أخلاقيًّا خالصًا، لا بالنسبة لرائد العمل، ولا بالنسبة للطبيب والمحامي والمهندس، فحن لسنا ملائكة، وإنما نحاول أن نكون مفيدين لأنفسنا أولا ومجتمعنا ودولنا والبشرية قدر المستطاع، لذلك لا بأس من الإلمام بتصرفات البشر من أجل الكسب، سلبية أكانت أم إيجابية، إن لم يكن من أجل نسخها، فعلى الأقل من أجل أن تكون فهمًا أفضل لمجريات الأحدث من حولنا، بما في ذلك تصرفات منافسينا في السوق.
توضيح للرواد
الانتقاد في السوشيل ميديا لا يعني دائمًا أن المنتج الذي تقدمه غير ناجح، ففي الغالب وخاصة في العالم العربي، أصوات الناقدين أقسى وأعلى من المؤيدين، لهذا تأكد من أن قياس فاعلية المنتج لا تقتصر فقط على آراء السوشيل ميديا، بل على عدة عوامل، أهمها حجم التفاعل والبيع وإعادة البيع.