طبع وطباع الموظفين
“الطبع غلب التطبع”، حقيقة يجب مواجهتها في الحياة، وفي بيئة العمل أيضًا، فكل موظف لديه طباعه الخاصة ذات الصلة بالسلوك وتبدّل المزاج وردود الأفعال والاندماج ضمن الفريق والاستجابة لأساليب التحفيز وغير ذلك. والحقيقة الأخرى هي أن الموظف ليس طفلًا نربّيه كما نشاء، بل إنسانًا بالغًا راشدًا نحاول تسخير خصاله الجيدة لمصلحة العمل، وتجنب ما أمكن أن تنعكس خصاله السيئة على بيئة العمل والإنتاجية.
غالبًا ما لا نستطيع خلال مقابلة العمل الأولى اكتشاف الجوانب غير المناسبة في الموظف، وحتى في الأشهر الثلاثة الأولى من عقد العمل التي يكون خلالها من الممكن إنهاء عقده دون عواقب، لأن مقابلة العمل تكون أقرب لـ “الرؤية الشرعية”، والأشهر الأولى أشبه بـ”الخطوبة”، والتي يحرص خلالها الطرفان على تعظيم محاسنهما وإخفاء مساوئهما.
إضافة إلى ذلك، قد تتبدل السلوكيات والعادات بمرور الوقت، فالموظف الذي كان ملتزمًا ومنتجًا ولديه ولاء كامل للشركة خلال سنوات قد لا يستمر كذلك بسبب تبدل ظروفه وطريقة تفكيره والتطور الحتمي للمجتمع من حوله، ولا تفلح جميع أدوات وأساليب أقسام الموارد البشرية بالشركات في منع ذلك.
ولأن رأس المال البشري كان ولا زال الركيزة الأساسية لعمل الشركة وزيادة إنتاجيتها وتنافسيتها وقدرتها على التوسع والنمو، فإنه على صاحب الشركة أو المسؤولين عنها بذل قصارى جهدهم في معرفة خصال موظفيهم وطبائعهم وحتى ظروفهم العائلية وأحوالهم النفسية والشخصية، حتى يتمكنوا من إدارتهم بالطريقة المثلى.
أحد أعضاء فريق العمل الذي أعمل معه يصعب علي تغييره، لديه شخصية صعبة جدًا، وبغض النظر عن عدد الطرق التي حاولت بها معالجة المشكلة، فلا زالت محاولاتي تبوء بالفشل، فما الخطأ الذي قمت به؟ كمدراء وتنفيذيين ليس علينا أن نغيّر شخصيات الناس، يمكننا فقط إدارتها.
كم نشعر بالإحباط من قبل أشخاص في مؤسساتنا نتمنى لو نستطيع تغييرهم؟ يفتقرون إلى الحافز والانضباط أو لا يعملون بشكل جيد مع الآخرين، نواجه صعوبة في الاعتقاد بأننا لا نستطيع إدارة طريقنا نحو النتيجة التي نبحث عنها، ولكن ما نفتقده في الواقع هو أن هناك جوانب معينة من البشر تتجاوز حدود التغيير، وعدم اعترافنا بهذه الحدود يخلق إهدارًا هائلاً للوقت والطاقة، التي ليس لها فائض.
الموظف العصبي هو شخصية عصبية قبل أن نوظفه، وسيكون عصبيًّا بغض النظر عن كيفية إدارتنا له، وسيظل عصبيًّا في وظيفته التالية أيضًا. فبدل محاولة تغيير شخصيته لماذا لا نتعامل مع الظروف التي تحيط به من إدارة العمليات وهيكلية العمل حتى نخلق مناخًا يقلل من التوتر والعصبية، حتى نستطيع الاستفادة من مهارات الموظف في العمل. ما لا يمكننا فعله هو تعديل شخصية الموظفين، كل ما يمكننا فعله هو تدبير من حولهم حتى نستطيع ضمان استمرارية الإنتاجية.
ما يجب أن نفعله هو فصل السلوك، الذي ليس لدينا سيطرة عليه عن المهارات، فليس كل سلوك غير قابل للتغيير هو سلوك مؤثر جذريا على سير العمل، لا يمكن التخلي عن موظف يمتلك مهارات مميزة فقط لأنه كثير الكلام، بل يجب علي تغيير بيئة العمل “التي يمكن تغييرها” حوله حتى نقلل من فرصة الكلام الكثير. هذا الموضوع على بساطته لكنه أحد أهم مشاكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في البدايات يصعب على المؤسسين الحصول على موظفين أصحاب خبرات كبيرة برواتب قليلة، فيلجأ المؤسسون لأصحاب المهارات العالية قليلي الخبرة العملية، وفي الغالب يفتقرون إلى الاحترافية ويتغلب سلوكهم على مهاراتهم، ومن هنا يبدأ الصراع لدى المؤسسين، “نريد تغيير الموظف حتى يتناسب مع بيئة العمل المفضلة لدينا”.
نصيحة للمؤسسين الجدد
أحد أهم عناصر نجاح مؤسستك هو اختيار فريق العمل وإدارته، لهذا لا تتهاون بتعلم مهارات القيادة والإدارة ولا تكرر أخطاء من سبقوك الذين اعتقدوا بأنهم قياديون موهوبون بالفطرة وسقطوا في أول تجربة، بغض النظر عن معرفتك وموهبتك فدائمًا هناك مساحة للتعلم والتطور.