البديل
ترشحت لانتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين في العام 2018 تحت شعار “البديل”، قاصدا من وراء ذلك أنني البديل لمن يعتبر نفسه “أصيل” وراسخ، وواثق من استمراريته، ومطمئن إلى ما هو عليه. كرائد عمل تعلمت أن أكون على أتم الاستعداد والجاهزية لأي تغييرات وانعطافات مفاجئة طوال الطريق، فمهما كانت الخطط علمية ومدروسة والتنفيذ حكيم، إلا أن المجريات على أرض الواقع قد تختلف. لقد فعلت شركة كوداك كل شيء لكنها انهارت في نهاية المطاف، كذلك لا يمكن مقارنة جودة وأداء لاعبي ليفربول بنظرائهم المدريديين الذين تمكنوا بطريقة قد تبدو غير مقنعة من هزيمة أول وثاني وثالث فرق الدوري الإنجليزي والفوز بكأس الأبطال.
هذه السيناريوهات تحدث بشكل أشد قسوة وغرابة في عالم التكنولوجيا سريعة التغير، ويتذبذب كثيرا أداء وربحية الشركات التقنية، فما بالك إذا كان مجالها “العملات الرقمية أو المشفرة” غير الواضح وغير المستقر؟ فليست المرة الأولى، وللأسف لا أعتقد أنها المرة الأخيرة بأن نرى شركات تأتي بآمال وأحلام كبيرة ولكن سرعان ما تتبخر ويدفع ثمنها عشرات من الموظفين الحالمين بمستقبل أفضل مرتبط بنجاح مشروعات أثقلت نفسها بالمصاريف وربما سوء التخطيط والإدارة، وعند الوصول للحظة الحقيقة، من يدفع الثمن هم الموظفون لا الإدارة التي هي دائمًا السبب الأول في أي أزمة يعاني منها المشروع التجاري.
من الصعب الحديث عن أزمة حالية كلفت أكثر من 100 موظف بحريني وظائفهم وأثقلت الحمل على كاهل وزارة العمل، من دون الحديث عن الأسباب الحقيقية التي تؤدي في الغالب إلى نفس النتيجة في أغلب المشروعات التجارية، فما حدث ليس حصراً على شركة معينة، فمن يقرأ التاريخ يستشرف المستقبل.
أكثر حقيقة لن تجد من يناقشها هو تغيير عقلية رواد الأعمال من البحث عن قيمة مضافة للسوق إلى البحث عن مستثمر يحقق لهم الربح السريع، في السابق كان السؤال الأهم بالنسبة للمستثمرين عن قرار الاستثمار أو الاستحواذ هو هل الشركة مربحة “Profitable” ؟ وعلى هذا الأساس كانت الشركات الناشئة الذكية تتحكم في النفقات بعناية من أجل الوصول للربحية في أسرع وقت، فبناء الشركات القابلة للاستثمار كان يهدف للوصول إلى الربحية كهدف أول ومن ثم التوسع، فبناء المشروعات كان يعتمد على الإنفاق بالحجم المطلوب للوصول للهدف فقط.
تغير كل هذا التفكير عندما ضربت بعض الشركات الكبيرة من ناحية البيانات والمستخدمين قواعد اللعبة، Zynga و Facebook من الشركات التي استطاعت الوصول لملايين الدولارات من الاستثمار من دون تحقيق الربحية، وما زاد الأمر تعقيدًا هو استحواذ نفس هذا النوع من الشركات لشركات أصغر من أموال المستثمرين حتى قبل وصولهم للربحية، هنا تغيرت العقلية الريادية، فليس المنتج المُصنع هو المنتج الذي يبحث عنه المستثمر اليوم، بل نظرة المستثمر تغيرت حتى أصبح يعتبر الشركة نفسها هي المنتج الذي يباع ويشترى إلى أن يباع للجمهور عن طريق اكتتاب عام.
عندما نرى شركات صغيرة لا تهتم في قواعد التجارة وخطط العمل وتبدأ بتوظيف عشرات الموظفين وتأجير أكثر المكاتب رفاهية ودفع أموال طائلة للتسويق؛ بهدف الوصول لأكبر قاعدة عملاء بأسرع وقت حتى من دون حساب التكاليف للحصول على العميل، فهذا يفسر أن هدف مؤسسيها سرعة بيع الشركة واستحواذها من شركات أكبر أو دخول مستثمرين وضخ أموال أكثر في الشركة.
العملية أشبه بالرهان، على سبيل المثال لديك 100 ألف دينار وقررت تحويلها إلى مليون دينار في خلال سنة، ما تحتاجه في هذا النوع من المشاريع هو عدد عملاء في أسرع وقت، وما سيحصل هو صرف المائة ألف دينار في خلال 6 أشهر للوصول لعدد كبير من العملاء، ولإقناعهم وإدارة العمليات فستحتاج لعدد كبير من الموظفين وموقع مميز للعمل، إذا استطعت الوصول في 6 أشهر فستستطيع إقناع المستثمرين، وإن لم تستطع فستخسر رأس المال وغالبا لن يكون هناك فرصة للتعويض.
نصيحة للمبادرين
لا أستطيع القول إن هذا النوع من أنواع المشروعات هو نصب أو احتيال، لكن استطيع القول إنه يفتقر لأخلاقيات العمل في حال لم يكن الموظفين على دراية بأهداف وخطط الشركة، ومن الممكن جدًا الاستفادة من طاقاتهم وأفكارهم وجهدهم في حال كانوا يعلمون بهدف المشروع وعلى استعداد لتحقيقه.
https://www.albiladpress.com/news/2022/4981/columns/760913.html