عقد قران
يميل أغلب رواد الأعمال في البحرين؛ وربما على مستوى العالم؛ لتفضيل العمل التجاري بشكل فردي خوفًا من فكرة الشراكة التي يكاد مفهومها يرتبط بالخلافات والإخفاقات التي نسمع كثيرًا من قصصها مع الأسف، فالشراكات التجارية ليست دائمًا سهلة، وعندما يشترك شخصان أو أكثر في العمل معًا، يجلب كل منهما مجموعته الخاصة من القيم ووجهات النظر والأهداف والدوافع، ما يجعل التناغم بين الشريكين أمرا صعبا إلى حد كبير.
الخلافات تظهر حتى داخل الشركات العائلية وإن كانت لا تظهر إلى العلن، فبينما كان الجيل الأول من هذه العائلات متماسكا متحدا شغوفا لاستثمار التطورات الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها فترة ما بعد اكتشاف النفط، باتت الأجيال اللاحقة أكثر ميلا إلى التفرد بالأعمال، وامتلك بعض أفرادها شركات مستقلة رغم أنها لا زالت تحمل ظاهريا اسم العائلة، وهو ما دفع بعدد من تلك العائلات لكتابة ما يمكن تسميته بـ “دستور داخلي” ينظم العلاقة بين أفراد العائلة المتشعبة خاصة ذوي الطموحات العائلية والنزعات الانفصالية، ويحافظ على كيان الشركة الأم ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وأنا كرائد أعمال لم أقرأ أو أسمع عن شراكات بحرينية بين رجال أعمال من الرعيل الأول كما هو الحال مثلا بين ميشيل ماركس وتوماس سبنسر اللذين أسسا علامتها التجارية الشهيرة في بريطانية عام 1884، ولا أرى حاليا سوى رجال أعمال يعلمون بشكل مستقل، أو مع أولادهم الذين يجهزونهم لقيادة العمل من بعدهم، حتى أن محاولات الدمج بين مصارف بحرينية مثلا لم تنجح رغم تشجيع مصرف البحرين المركزي، وذلك كما يقال لعدم قبول أعضاء مجالس الإدارة في أي شركة التنازل عن مناصبهم لصالح غيرهم.
على كل حال الأمور تتغيّر وتتبدّل مع دخول التكنولوجيا في العمل، وتبدّل طبيعة الأعمال، والحاجة إلى تكامل المهارات وتنويع الرؤى القيادية في المشروع الواحد، إضافة إلى أن العالم كله بات بفضل الإنترنت سوقاً واحداً، ويمكن تأسيس شركة متعددة الجنسيات من خلال منصة إلكترونية واحدة ليس من الضرورة أن يكون لها مقر على الإطلاق.
أعتقد إنه يجب علينا كرواد أعمال أن نقدم نماذج ناجحة عن الشراكة في المشروعات من أجل تشجيع الباقين على أن يحذوا حذونا، ولنكون أكثر فائدة لأنفسنا وعائلاتنا ومجتمعنا واقتصادنا الوطني.
وأرى أن الشراكات التجارية تشابه لحد كبير الشراكة الزوجية، حيث تبدأ الشراكة على الأغلب عادة بأفضل ما لدى كل طرف، والتي في الغالب يكون فيها طرف صاحب المال والطرف الآخر صاحب الفكرة والجهد، وكل شريك يظهر أفضل ما لديه لإنجاح المشروع التجاري، والذي للأسف في كثير من الأحيان وخاصة في الشركات الصغيرة يتم الاتفاق عليها بالمناصفة في أسهم الشركة، من دون حساب المسؤوليات لكل طرف ومدى تأثير مساهمته في إنجاح المشروع، وحالما يبدأ المشروع بالربح تبدأ المشاكل بينهما، فكل طرف يبدأ بالمحاولة على استيلاء جزء أو كل من مسؤوليات الآخر أو حتى إبعاده من الشركة والانفراد بها، مما قد يؤدي إلى فشل المشروع وانتهائه، لكن الاختلاف الجوهري بين الشراكة التجارية والزوجية فهو شروط العقد، ففي الزواج عادة تكون الشروط فيما يتعلق في بداية الشراكة، أما من الناحية التجارية فمن الواجب على الشركاء كتابة كل ما يتعلق في بداية الشراكة وفي أثناء سير المشروع وفي حال الاختلاف أو عدم رغبة أي شريك في الاستمرار، الشراكة التجارية الناجحة هي التي تبدأ بعقد شراكة يوضح أدوار ومسئوليات وصلاحيات كل شريك، ونسبة أسهم في الشركة قائمة على هذا الأساس، مع الأخذ بالاعتبار أن نوع المشروع يحدد مدى تأثير مساهمة كل شريك في المشروع وهو ما يحدد نسبته بشكل أفضل من مجرد مناصفة الأسهم.
في النهاية فإن نوع المشروع، ومدى تأثير المؤسسين على سير المشروع، وصلاحيات ومسؤوليات الشركاء، هي ما يحدد طريقة الشراكة الأنسب لهم، لكن من دون كتابة تفصيلية لكل هذه العناصر والاتفاق عليها قبل بدء المشروع، فإن الشركاء يسيرون في طريق ألغام قد يؤدي إلى انهيار المشروع في أي لحظة.
نصيحة للرواد
الشراكة التجارية ليست مجرد بحث عن رأس المال لتمويل فكرتك، الكثير من العناصر المؤثرة في التجارة ليست مجرد مال، فالعلاقات والخبرات والمهارات عناصر قد تؤثر بشكل أكبر من المال للمشروع، فاحرص على البحث عن الشريك المؤثر المتفهم لمشروعك ولا تنظر فقط لمحفظته.