تعلم.. ولا تتحلطم!
في كل يوم يمر نبتعد في البحرين عن “الاقتصاد الريعي” الذي يقوم في جزء منه على توزيع جانب من عوائد موارد الدولة على الموظفين دون اقتران ذلك بالضرورة بمدى انتاجيتهم، مقابل اقترابنا أكثر من نظام اقتصادي قائم على تنافسية الفرد والمؤسسة، وهذا الأمر يضعنا كأفراد وأصحاب أعمال أمام أحد خيارين: إما الكسل و”التحلطم”، أو الجد والاجتهاد واكتساب مهارات جديدة للحفاظ على وظائفنا وأعمالنا.
التقدم التكنولوجي السريع الذي نعيشه اليوم سهًّل حياتنا اليومية، لكنه تسبب في الوقت ذاته بقلق كبير لأصحاب الأعمال الساعين دائما لتطوير أعمالهم والبحث عن أفضل المواهب التي تستطيع تطويع التكنولوجيا من اجل خدمة تلك الأعمال وزيادة الإنتاجية والتنافسية والربحية، لكن سوق الموارد البشرية يشهد فجوة كبير ما بين ما تخرجه الجامعات وما يحتاجه سوق العمل، والمستقبل غير واضح حتى بالنسبة للموظفين الخائفين على وظائفهم الحالية والمتشككين بقدرتهم على مواكبة التغييرات واكتساب المهارات اللازمة للحاق بموجة التطور المستمرة.
لكن من الواضح أن الذكاء والموهبة ليسا حكرا على عرق أو جنسية معينة، بل إن كثيرا من شباب الدول أو الأحياء الفقيرة يحملون قدرة عالية على دخول المستقبل المجهول، حيث أن ما عايشوه من ظروف صعبة يحفزهم على تنمية مهاراتهم بشكل أكبر بكثير مما يمكن تعلمه في المدارس النموذجية، إضافة بأن نمط الحياة الصعبة يحفز فيهم العزيمة للنجاح، لا يعني هذا الاستغناء عن المهارات التي يتم الحصول عليها في المدارس، لكن التجارب الحياتية تضيف قيمة إضافية للمضي قدمًا.
إن على أصحاب الأعمال أنفسهم اتخاذ نهج غير تقليدي لردم فجوة المهارات التي يتم الشكوى منها على نطاق واسع، فلا فائدة من الكلام من دون تصرف، خاصة مع سرعة دخول التكنولوجيا في مختلف القطاعات بشكل جذري، وما يسفر عن ذلك من تغير كامل في طريقة أداء الأعمال، واندثار قطاعات وأعمال مقابل ظهور أخرى، والتكنولوجيا تخلق فرصاً هائلة للذين هم على استعداد على التعلم والتكيف مع هذه التغييرات.
التفكير النقدي والقيادة والقدرة على استخدام أدوات التكنولوجيا في الأعمال وحل المشكلات كلها مجموعات من المهارات التي تشتد الحاجة إليها لتزدهر الآن وفي المستقبل، واسرع طريقة لدمجها مع النظام التعليمي بشكل فعال هو الاعتماد على التعليم الإلكتروني، فالشباب الذي يعتمد على الهواتف والأجهزة اللوحية بحاجة لمحتوى تعليمي بنفس نموذج اليوتيوب ونيتفليكس ، وهذا ما يفسر الدراسات التي تبين بأن في عام 2019 حجم سوق التعليم الإلكتروني العالمي وصل إلى 144 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 458 مليار في 2026.
نظام الأربع درجات والأربع سنوات التقليدي لا يساهم في تطوير مواهب الشباب. وهنا نسأل: كم عدد الطلاب الموجودين الذين يعانون في تحصيلهم الدراسي بسبب عدم القدرة على التوافق مع الطرق التقليدية في التعليم؟ ومع ذلك، فإن هؤلاء الشباب في أوقات فراغهم يبنون التكنولوجيا أو يبتكرون منهجيات جديدة للنهوض بمختلف قطاعات الأعمال؟ غالبًا ما يتجاهل النظام الحالي هذه المواهب بناءً على منهجيات التعليم التي عفى عليها الزمن وشرب، فالمعلمون إما غير مدربين على تحديد هؤلاء الطلاب أو لا يتم إعطاء الأدوات اللازمة لدعم أولئك الذين يتعرفون على هذه المواهب.
رسالة قبل فوات الأوان
يمكننا العمل جميعًا في وضع آليات وبرامج تدريب لسد فجوة المهارات، عن طريق التعاون ما بين المدارس والجامعات ومنصات التدريب الإلكتروني وأصحاب الأعمال، في تحديد أهم المهارات اللازمة في سوق العمل ووضع برامج تدريبية عربية بأيدي محلية مكملة للتعليم التقليدي، نستطيع أن نكون مصدرين في سوق ال ٤٥٨ مليار بدل أن نكون مستوردين.