الفاتنة والوحش

في عالم ريادة الأعمال، “الفاتنة” هو ذلك الفتى المتحمس المشمر عن ساعديه الذي تتخبط أفكار في ذهنه تحرمه من النوم، يعمل يوميا 18 ساعة لتحويلها إلى مشروعات يرى أنها ستغير محيطه والعالم، وأن أياما فقط تفصله عن اعتلاء منصات التتويج والوصول لقمم المجد التي لم يسبقه إليها أحد.


الوحش هو السوق، الذي يبدو وديعا أليفا يبتسم فيه الجميع ويحققون الأرباح بأقل جهد، لكن ما أن تقترب منه بفكرة أو مشروع حتى يخرج من قاع البحيرة، محاولا التهام جهدك وفكرك، وحملك وضربك مرارا يمنة ويسرة، قبل أن يرميك على الشاطئ منهكا غير قادر على النهوض.


كثير من صنف “الفاتنة” يتراجع وينهزم في أول مواجهة مع “الوحش”، لكن البعض يرمم نفسه وأدواته ويعود مجددا للاقتراب من البحيرة عساه هذه المرة يحظى بفرصة اقتناص بعض السمك دون إزعاج الوحش، ومرة تلو الأخرى يبدأ في إتقان ملاعبة الوحش، وزيادة غلته من السمك، لكنهما لن يصبحا أصدقاء أبدا. 


هذا هو حال عالم الأعمال، والناجون القانعون بسمك السردين يقبعون في أسفل السلم، أما الطامحون بسمك الهامور فعليهم المخاطرة أكثر، والأهم في كل مرة أن يتعلموا المرونة من السمك ذاته، فلا بأس من الخروج صباحا لاصطياد سمك الهامور، والعودة مساء بمحار أو حبار أو كافيار.


بعض الشباب درس أربع سنوات قانون، أو معهد معلمين، أو صحافة، وبقي طوال حياته مصرًّا على أن يصبح محاميا أو مدرسا أو طيارا أو إعلاميا، وبعض رواد الأعمال بدأ حياته من خلال افتتاح مطعم، ولا يستطيع أن يتصور نفسه تاجر أغذية مثلا.


الحياة تتطور بسرعة، وكذلك قطاع الأعمال، وعادات الاستهلاك أيضا. عليك أن تكون “مقهى حاجي” أو “آلو بشير” حتى تستمر لكل تلك السنوات في السوق، أما إذا دخلت سوق الطعام بفكرة مقهى الآن فعليك تطويرها باستمرار من خلال جعل المقهى مكانا لتنظيم أعياد الميلاد مثلا، أو جعل الزبائن يجلسون على أكياس البن البرازيلي، وإلا لن تصمد في السوق.


على الصعيد الشخصي عليك أن تتحلى بالاساسات، مثل القدرة على التفكير والابتكار، والعمل والإنجاز، لكن إياك أن تنمط نفسك في قالب رائد أعمال في مجال معين، لأن هذا يمنعك من التطور واستكشاف فرص النمو في مجالات أخرى.


بالنسبة لي بدأت عملي التجاري في مجال تصميم المواقع الإلكترونية وانتهى الحال بي في مجال التدريب، لم أخطط للدخول في التعليم ولم أكن أعرف أن هناك من يكسب المال عن طريق التحدث للكاميرا غير الممثلين ومقدمي البرامج.


ولم أخطط عموما لعمل الأشياء التي أفعلها الآن والتي تجلب لي السعادة، كيف وصلت لكل هذا؟ عن طريق التجربة، دائما ما كنت أبحث عن المهارات الجديدة حتى لو لم تكن في مجال عملي، مهارات مثل التصوير والمونتاج والتسويق والتجارة الإلكترونية، أغلب هذه المهارات تعلمتها من دون التفكير في كيفية تحويلها لمصدر دخل أو الاستفادة الأمثل لها في مجال عملي، جعلت من خيارات التعلم مفتوحة والاستفادة منها وإن بدت في وقتها غير واضح لكني كنت مستعدًّا لاقتناصها متى ما وضحت الفرصة.


عندما بدأت الجائحة وتوقفت أغلب الأنشطة التجارية، وأصبحنا أمام مفترق طرق، إما التخلي عن مشاريعنا التجارية أو التأقلم مع الواقع الجديد والظروف المتغيرة، بدأت بتجميع المهارات التي تعلمتها خلال السنوات الماضية ومحاولة الخروج من خلالها من الوضع القائم، ومن هنا جاءت فكرة تدريب هب وهي أول منصة تدريبية إلكترونية في البحرين قائمة على اكتساب المهارات.


نصيحة للمبادرين
استعد لما هو قادم في عام 2022، هذا العام سيكون عظيمًا، ولكن لا تنسى أيضًا الاستعداد لما هو غير متوقع، لأنه غير المتوقع هو المكان الذي قد تكون فيه الفرصة لنجاح كبير.

https://www.albiladpress.com/news/2022/4869/columns/744922.html

مقالات ذات صلة

كيس الأفكار

كثيرًا ما أجتمع مع شباب ورواد أعمال يتحدثون أمامي عن كثير من الأفكار بحماسة، أناقشهم وأعطيهم عصارة تجاربي ونصائحي، بل أصبح متحمسا لفكرتهم أكثر منهم، لكن كثيرا ما أندم عندما ألتقي فيهم بعد …

البديل

ترشحت لانتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين في العام 2018 تحت شعار “البديل”، قاصدا من وراء ذلك أنني البديل لمن يعتبر نفسه “أصيل” وراسخ، وواثق من استمراريته، ومطمئن إلى ما هو عليه. كرائد عمل …

درس من “درب الزلق”

يقدم المسلسل الخليجي الأشهر “درب الزلق” في إحدى مشاهده -عن قصد أو بدونه- رؤية اقتصادية وتجارية بالغة الأهمية، من خلال “ماكينة الأفكار التجارية الفاشلة” الممثل الراحل عبدالحسين عبدالرضا الذي …