فزعة تحتاج تطوير

نحن شعوب تقودنا العاطفة أكثر من العقل، يسيطر علينا الهوى أكثر من الحكمة، سريعو الغضب والحماسة والملل في ذات الوقت، نميل للحلول السريعة لكل التحديات والمشاكل التي تواجهنا على المستوى الشخصي أو المجتمع بدلاً من التأني والتفكير وتبني خطط طويلة الأمد.


نتذكر حالة المرحوم الطفل ريان وكيف وقفت الحياة في كل بيت عربي، رافعين الأيادي بالدعاء أمام الشاشات يترقبون آخر الأخبار، وعلى المستوى المحلي كلنا شهد مئات الحالات المحتاجة التي يتكاتف الجميع في دفع مديونياتهم خلال ساعات في كل رمضان، وكيف يبادر كل مقتدر في دعم العاطلين عن العمل في حال انتشرت أخبارهم في مواقع التواصل الإجتماعي.
على قدر عظمة هذه الأعمال الجليلة، لكن هناك ما يجب التوقف عنده، وهو السبب في انتظار كارثة أو مصيبة حتى يتكاتف الجميع ويسارع في تقديم المبادرات والحلول، على مستوى اقتصادي كم من المشاريع البحرينية أغلقت بسبب الجائحة ولم يعرف عنها أحد، في مقابل القليل من المشاريع التي لجأ أصحابها لمواقع التواصل والتحدث عن معاناتهم والمشاكل التي يواجهونها، وبالفعل قام المجتمع بالتكاتف والوقوف معهم ودعم مشاريعهم حتى استطاعوا العبور من أزمة أوقعت الكثير من زملائهم أصحاب المشاريع الأخرى.


تحدثت عن هذا الموضوع في حسابي في “الإنستقرام” وجاءت الردود معظمها في إطار سببين رئيسيين، السبب الأول بأننا كمجتمع عربي بشكل عام وبحريني بشكل خاص، مجتمع عاطفي يميل لردات الفعل بدل المبادرات، والاستشهاد على هذه الفكرة من خلال استحضار ردات الفعل على الكثير من القرارات التي أثرت على الشارع التجاري، ومنها على سبيل المثال قرار رفع رسوم السجلات التجارية، فالقرار تم الإعلان عنه قبل أكثر من سنة على تطبيقه، لكن ردة الفعل من التجار كانت قبل أيام قليلة من تنفيذ القرار، وكان من باب أولى على التجار دراسة أثر القرار ووضع الحلول البديلة والاجتماع مع الوزارة خلال فترة سنة وهي فترة كافية للخروج بحلول قد تكون أفضل من الحلول الموجودة اليوم.


أما السبب الثاني وهو الشعور بأن عدم وجود مشكلة أو مصيبة يعني النجاح والناجح لا يحتاج إلى “الفزعة” أو المساندة، وهذا الشعور خاطئ وخطير على الأجيال القادمة، كيف يمكن إقناع الجيل القادم في الانخراط في ريادة الأعمال والعمل الحر من دون أن يشهدوا مساندة شعبية لمن سبقهم بحجة أنهم ناجحون وليسوا بحاجة للدعم، بهذه الطريقة نوصل رسالة للجيل القادم مفادها أنك لن تستحق أي دعم إلا في حال وقوعك في مصيبة وكارثة تستحق الالتفاف لها، ودعمك ليس لنجاحك بل لسقوطك أو عدم قدرتك على العمل والمحاولة، كيف يمكن لهذا الجيل أن يجتهد ويبتكر ويطور؟


إلى المجتمع
من الجميل دعم المحتاج، والأجمل المبادرة في دعمه قبل أن يحتاج، لندعم الناجح ليكبر في نجاحه، ونشجع غيره بأن يعمل ويجتهد، لنعمم ثقافة الدعم للمجتهدين والمبادرين حتى نخرّج جيلاً يعشق التحدي والعمل.

https://www.albiladpress.com/news/2022/5065/columns/772768.html

مقالات ذات صلة

العيال كبرت

رمضان شهر التقرب إلى الله وتعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية وتقديم المزيد من العطاء للمحتاجين، لكنه أيضا شهر العمل والإنتاج، شهر اقتناص الفرص لأولئك الساعين أيضا إلى تطوير نماذج أعمالهم وزيادة …

الوقت غير مناسب

ريادة الأعمال وحب المغامرة ودخول التحديات حالة ذهنية واستعداد نفسي وجسدي قبل أي شيء آخر، متقدة دائما، تجعل نفس صاحبها متوثبة للقفز والتفاعل مع كل ما هو جديد، وعدم الركون إلى دائرة الراحة …

مايكرو شباب

ربما تكون أجمل اللحظات التي يقضيها رواد الأعمال هي تلك التي يشارك فيها قصته مع المبادرين، والتي من الممكن أن تكون شرارة تنطلق منها مئات المشاريع الناشئة، وكأي مبادر في البدايات كنت أهتم بشدة …

عِزَّت عاد وباشر عمله

أتذكر في الأفلام العربية القديمة دور الرجل الشرقي في الخمسينيات والستينيات وهو ذاهب لعمله في الصباح الباكر قبل أن يتوقف لدى “الكشك” ليشتري الصحف اليومية التي كانت تحتوي الأخبار من نوع “عزت …