نعم.. أفكر في الترشح

من يعرفني يدرك أن فكرة الترشح ليست جديدة. منذ انتخابات 2018 وأنا أتعامل مع الموضوع كمسار طويل يحتاج تجربة، فهمًا للواقع، وتقييمًا لقدرتي الفعلية على تقديم شيء يُعتد به. كانت مشاركتي في انتخابات غرفة التجارة جزءًا من هذا الطريق، رغم أنني دخلت تلك الانتخابات دون قائمة، ودون دعم تنظيمي أو غطاء اجتماعي أو امتداد عائلي تجاري، ومع ذلك قدمت برنامجًا واضحًا قابلًا للتطبيق، وحصلت على أكثر من ألف صوت، وهذا الرقم بالنسبة لي لم يكن رقمًا انتخابيًا بقدر ما كان مؤشرًا على أن هناك من يؤمن بالفكرة لا بالشكل، وبالقدرة لا بالمحيط.

كنت أعلم مسبقًا أن فرص الفوز تكاد تكون معدومة بسبب نظام التصويت للقوائم، لكن الهدف لم يكن الفوز بتلك الدورة بقدر ما كان التعلم وفهم شكل المنافسة، وطبيعة العمل العام، وحدود الممكن.

ما قبل قرار 2022

بعد تلك التجربة بدأت أتابع المجلس بشكل أعمق: جلساته، أدواته، واقعه، القيود التي يواجهها، والمساحات التي يمكن أن تتحرك فيها الكفاءة بدل العاطفة. لم يكن هدفي بناء خطاب شعبوي، ولا جمع كلمات جذابة تصلح للاستهلاك الإعلامي، بل فهم مسارين واضحين: ما يمكن تقديمه فعلًا، وما يُقال للناس رغم استحالة تطبيقه.

كنت واضحًا مع نفسي: إذا ترشحت يومًا، لن أعد بشيء لا أستطيع تحقيقه، ولن أكون في الاتجاه الآخر جزءًا من ثقافة “الرفض من أجل الرفض”، لأن العمل البرلماني لا قيمة له إذا لم يتحول إلى حلول، تشريعًا أو مساءلة أو مبادرة.

لماذا لم أخض انتخابات 2022؟

مع نهاية 2020 جاء ظرف أكبر من أي خطة مسبقة: “الجائحة”. تأثرت أعمالي، تغير ترتيب الأولويات، وأصبحت المسؤوليات تجاه عائلتي وأعمالي أهم من أي خطوة سياسية في ذلك الوقت. هنا تحديدًا وصلت إلى قناعة شخصية: “لا يمكن أن أدخل المجلس وأنا معتمد على راتبه”. كنت أخشى لو دخلت المجلس وأنا معتمد على الراتب، أن تتحول الحاجة المادية بشكل غير مقصود إلى عامل ضغط أثناء اتخاذ قرارات تحتاج وقتًا أو صبرًا أو مسارًا طويلًا. وأؤمن أن العمل النيابي أحيانًا يتطلب مواقف تقوم على قناعة لا على استعجال أو مجاملة ظرفية، وهذه قناعة تخصني ولا أضعها معيارًا لغيري.

كنت أرى أيضًا أن من الطبيعي أن يُستخدم راتب النائب ـ إذا وصلت للمجلس يومًا ما ـ لتأسيس منظومة عمل واضحة بدل أن يكون مجرد دخل شخصي. وبالنسبة لي، هذه المنظومة تعني وجود أشخاص يقومون بأدوار محددة تساعد النائب في أداء مسؤولياته بشكل مهني ومنظم: شخص يتابع شكاوى المواطنين واحتياجاتهم، باحث قانوني لدراسة التشريعات والاقتراحات قبل التصويت عليها أو تبنيها، مساعد يتولى التنسيق الإداري والتواصل مع الجهات الحكومية، ومستشار متخصص حسب طبيعة الملفات التي قد تظهر في مرحلة ما، سواء كانت اقتصادية أو تعليمية أو صحية.

هذا الأسلوب في إدارة العمل العام هو ما أراه مناسبًا لي لو قررت خوض التجربة، لأنه يجعل الأداء مبنيًا على معلومات وتحليل وتنفيذ، لا على رد الفعل أو الاجتهاد الفردي. ومع ذلك أكرر أن هذا فهمي الشخصي، وليس مقارنة ولا حكمًا على طريقة عمل أي نائب آخر، فلكل شخص ظروفه ونهجه وقناعته.

لهذا السبب تأجل القرار من 2022 إلى 2026، وفضلت أن أستكمل مساري المهني حتى أصل لنقطة يكون فيها العمل العام خيارًا حرًا وليس تعويضًا عن مرحلة صعبة.

لماذا الآن؟

إلى اليوم، القرار النهائي لم يُحسم. وما بين الرغبة والواقع هناك مساحة لا تكفيها جملة ولا تغطيها شائعة. لذلك جاءت هذه السلسلة لتكون اختبارًا للرؤية قبل أن تكون إعلانًا لطموح سياسي. سأطرح ملفات، أفكار، ومقترحات قابلة للتطبيق، وأستمع للنقد كما أستمع للدعم، فالعمل النيابي الناجح لا يقوم على فرد، بل على مجتمع يفكر ويتفاعل ويطالب.

القناعة التي أنطلق منها

الترشح ليس امتيازًا ولا لقبًا ولا حقًا ثابتًا لأي شخص، بل ثقة يمنحها الناس لمن يرون أنه قادر على تحمل مسؤولية صوتهم، وهذا لا يُفرض ولا يُطلب بل يُختبر ويُستحق. وإن وصلت يومًا لقرار الترشح فسيكون هذا التفاعل والنقاش الذي ستخلقه هذه السلسلة أحد أهم العوامل في اتخاذ القرار، لأن الترشح بناء على رأي الناس أصدق من اتخاذه كرد فعل على كلامهم.

الخطوة القادمة

بهذه السلسلة نبدأ نقاشًا جادًا بعيدًا عن العاطفة والمبالغة والمزايدات، لأن السؤال الأهم ليس: هل سأترشح؟ بل: هل سيكون لوجودي قيمة لو ترشحت؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه معًا، خطوة بخطوة.

مقالات ذات صلة

قانون العزل السياسي 

منذ صدوره في 2018، بقي قانون العزل السياسي حاضرًا في النقاش العام. ليس لأنه يحدد فقط من يحق له الترشح، بل لأنه لامس معنى المشاركة السياسية والحق المدني في أبسط صورها، أن تكون قادرًا على المشاركة أو غير قادر بسبب انتماء سابق.

البديل

ترشحت لانتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين في العام 2018 تحت شعار “البديل”، قاصدا من وراء ذلك أنني البديل لمن يعتبر نفسه “أصيل” وراسخ، وواثق من استمراريته، ومطمئن إلى ما هو عليه. كرائد عمل …

ملف العاطلين

من يتابع ملف العاطلين في البحرين يعرف أنه ليس ملفًا جديدًا، وليس موضوعًا عاطفيًا يصعد ويهبط مع مواسم النقاش، بل قضية مستمرة تمس فئة كبيرة من المجتمع، وتشكّل شعورًا عامًا بالقلق حول المستقبل المهني والاستقرار المعيشي.

Responses

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *