ملف العاطلين – الميزان العادل
ماذا لو كنت نائبًا؟ (٥)
التعامل مع ملف البطالة في البحرين يحتاج إطارًا أوضح ونتائج قابلة للقياس. ليس لأن الجهود السابقة غابت، بل لأنها لم تُجمع في مسار واحد يجعل الدعم والتوظيف والتشغيل يتحركون في الاتجاه نفسه. وفي هذه السلسلة بدأت طرح نموذج عملي من أربعة محاور يربط بين خلق فرص جديدة، تحسين بيئة التشغيل، وتطوير آليات الدعم بحيث تخدم المواطن والاقتصاد معًا.
تناولت في المقالين السابقين مسارين يركزان على خلق وظائف مرتبطة بأسواق أكبر من السوق المحلي، بينما يتناول هذا المحور الثالث جانبًا مختلفًا يتعلق بطريقة إدارة الدعم الحكومي وربطه بنتائج ملموسة. الهدف بسيط وواضح، ليس توسيع الدعم بل جعله أداة تحفّز الشركات التي تبني مسارًا حقيقيًا للمواطن داخل سوق العمل، وتوقف الهدر عن النماذج التي تُحافظ على الشكل دون مضمون.
مشكلة الدعم الحالي
اليوم الدعم الحكومي موجود، لكنه لا يميز بين شركة تدرب وتوظف وتستثمر في البحرينيين وبين شركة تسجل أسماء وتستبدل موظفيها بعد انتهاء فترة الدعم. وبهذا أصبح الدعم عامًا ومتاحًا للجميع، بينما الالتزام الحقيقي بتوظيف البحريني تحوّل إلى خيار قابل للتفاوض وليس مبدأ ثابتًا في بيئة العمل. هذا الخلل أنتج حالة غير صحية. الشركات لا ترى فائدة عملية من الحفاظ على البحريني بعد انتهاء الدعم، والدولة تدفع دون أن تحقق الهدف الأساسي وهو بناء قوة عمل وطنية مستقرة وراسخة داخل القطاع الخاص.
تحويل الدعم إلى نتيجة لا إجراء
الفكرة ليست فرض عقوبات على القطاع الخاص ولا تحميله ما لا يستطيع تحمله، بل إعادة ترتيب العلاقة بحيث يصبح توظيف البحريني واستبقاؤه قرارًا اقتصاديًا منطقيًا ومفيدًا للشركة نفسها، لا مجرد التزام اجتماعي أو متطلب إداري. وهذا يتحقق حين يرتبط الدعم بالأثر، وليس بمجرد الوجود.
نظام النقاط
النظام المقترح يعتمد على مبدأ بسيط ومفهوم. كل شركة تحصل على نقاط وفقًا لمسارها في تشغيل المواطنين وتطويرهم واستبقائهم. عدد الموظفين البحرينيين ليس وحده المعيار، بل نوع التدريب، مسار الترقية، مدة الاستقرار الوظيفي، وجود عقود واضحة، وحجم الدور الذي يلعبه البحريني داخل هيكل الشركة. بهذه الطريقة لا تُظلم الشركات الصغيرة التي لا تستطيع توظيف عشرات الأفراد، لكنها تستطيع بناء بيئة تدريبية ومهنية حقيقية ومستقرة لمن توظفهم.
مستويات الدعم وفق النقاط
الدعم يبدأ بتخفيضات ملموسة تشمل الرسوم الحكومية، دعم اشتراكات التقاعد، وتسهيلات في الكهرباء والبلدية، ليصبح توظيف البحريني أقل تكلفة من تشغيل بديل خارجي في الحساب النهائي للشركة. ومع ارتفاع النقاط ينتقل الدعم من دعم تشغيلي إلى قيمة أعلى. عند مستوى محدد يمكن تصنيف الشركة ضمن فئة الشركاء الاستراتيجيين في التنمية الاقتصادية، ثم منحها ما يمكن وصفه ببطاقة النخبة.
بطاقة النخبة
هذا الامتياز ليس وسامًا ولا شهادة إدارية، بل أداة تأثير اقتصادية واجتماعية. الشركات التي تصل لهذا المستوى تحصل على مزايا فعلية بالتعاون مع شركات الاتصالات والطيران والبنوك وبعض الجهات الحكومية، إضافة إلى الحق في المشاركة في اللجان الاستشارية المرتبطة بتشريعات العمل والتجارة والصناعة. وعند مستوى أكثر تقدمًا يمكن تخصيص مقاعد سنوية في بعض مجالس إدارات الشركات الحكومية وشبه الحكومية لأصحاب أعلى النقاط، ليس كمنحة، بل لأنه من الطبيعي الاستفادة ممن أثبتوا قدرة على خلق وظائف وبناء بيئات مهنية ناجحة.
الأثر المتوقع
هذا النموذج لا يرهق الدولة لأنه لا يقدم الدعم للجميع بالطريقة نفسها، ولا يرهق القطاع الخاص لأنه لا يفرض التوظيف الشكلي، بل يجعل التوظيف والاستثمار في تدريب البحرينيين قرارًا اقتصاديًا مجزيًا. كما يمنح أصحاب الشركات إحساسًا بأنّ النظام يعترف بالمجهود الحقيقي، لا بالصورة الشكلية. ومع الوقت يتغير سلوك السوق، فيتحول البحريني من موظف يُقبل لفترة دعم مؤقتة إلى خيار تفضيلي للشركات لأنه مرتبط بمكسب فعلي، واستقرار تشغيلي، وامتيازات لا تحصل عليها الشركة إلا عبره.
إلى المحور الرابع
بهذا المقال أكون قد شرحت المحور الثالث من رؤية التعامل مع ملف البطالة بشكل عملي. في المقال القادم سأتناول المحور الرابع والأخير، والمتعلق بتنظيم العمل الحر وتحويله من حالة رمادية إلى قطاع معترف به يحمي العامل والمستفيد ويخلق اقتصادًا موازيًا مستقرًا قابلًا للنمو بدل أن يبقى مبعثرًا ومعتمدًا على الفرص المؤقتة.
Responses