الريادة الداخلية والابتكار

لم يسبق للعالم أن شهد حالة مماثلة لما هي عليه دوله اليوم من تنافس حاد على توفير معدلات نمو اقتصادية ورفاهية مقبولة لمواطنيها، خاصة مع ازدياد انفتاح الأسواق العالمية على بعضها البعض نتيجة للتطوير السريع في مجال الاتصالات والمواصلات، جنبًا إلى جنب مع التغييرات العميقة في قواعد التجارة العالمية التي تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويجزم الاقتصاديون أن المال في العالم موجود بشكل أساسي في مكانين: في دول الخليج العربي والصين، فمن الطبيعي أن نشهد مستويات أعلى من التنافسية في منطقتنا، فإمارة دبي تبذل جهودًا جبارة للحفاظ على مكانتها الاقتصادية العالمية، والكويت لديها خطط بالتوسع شرقًا، وهناك تحولات بنيوية كبيرة يشهدها الاقتصاد السعودي.

في خضم ذلك، تبرز الجهود الوطنية الرامية إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي بالبحرين، وتجنب تبعات التحديات الاقتصادية الناجمة بشكل أساسي عن انخفاض أسعار النفط خلال العامين 2015-2016 بشكل أساسي، وزيادة كتلة الدين العام، وما نتج عن ذلك من خفض في التصنيف الإئتماني للديون السيادية للمملكة، وتراجع الاحتياط الأجنبي، والحاجة مجددًا إلى دعم مالي من أشقائنا في دول الخليج.

في العام 1930 مرت البحرين بظروف صعبة جدًّا بعد إنتاج اليابان اللؤلؤ الصناعي، لكن ما هي إلا أشهر حتى ظهر النفط في البحرين، وعاد الرفاه الاقتصادي من جديد، وبعد ذلك مرت البحرين بتحديات أخرى، أذكر منها الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، ثم أحداث 2011، وفي كل مرة كان الاقتصاد ينهض وينتعش من جديد.

لماذا؟ وما السر في قدرتننا على النهوض من جديد؟ لا شك أن هناك امتيازات من بينها القرب من السوق السعودي الكبير، والتشريعات الاقتصادية المتطورة، التمسك بالاقتصاد الحر، كما أن صغر المساحة وعدد السكان يجعل من السهولة ضخ أموال أقل للحصول على نتائج انتعاش أكبر، ورغم أهمية كل ما سبق إلا أن هناك عنصرًا جوهريّصا يتصدر كل تلك العوامل، وهو الإنسان البحريني ذاته.

وتتفرد البحرين بوجود كوادر وطنية مؤهلة ومدربة حملت على الدوام مهمة بناء البلد وتحقيق الازدهار، ويمثل النهوض بهذه الكوادر ومواصلة تدريبها وتحفيزها وتشجيعها على الابتكار جوهر التنمية المستدامة، وفي ظل تحديات قلة الموارد الطبيعية مقابل ارتفاع حدة التنافسية الإقليمية، يبرز رأس المال البشري الذي تملكه المملكة كواحد من أهم ركائز تحقيق معدلات نمو ومستويات رفاهية مقبولة.

ويبرز البحرينيون كرواد في مجالات عديدة، فهناك أسماء لامعة في مجال الطيران والصيرفة والطب والمنظمات الدولية والشأن العام، بالمقابل يتحلى البحريني بشكل عام بالصبر وعدم التذمر من العمل حتى وإن كان دون الطموح المادي أو الاجتماعي، ويسعى بشكل دائم لتطوير معارفه ومهاراته العملية والأكاديمية من أجل تحسين وضعه باستمرار.

ويمثل رأس المالي البشري واحدًا من أهم الأصول التي تمتلكها الشركات والمؤسسات وحتى الجهات الحكومية، وإن الاستثمار في الإنسان هو استثمار صائب وذكي من أجل تعزيز مستويات الأداء ورفع الإنتاجية والتنافسية.

وأهم استثمار يمكن القيام به تجاه البحرينيين هو إشعال جذوة الحماس والاندفاع الكامن في داخلهم، الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، والحصول على أفضل ما لديهم من عطاء، واستثمار ذلك في رفع مستويات معدلات الأداء والربحية والتنافسية لدى المؤسسات والشركات والقطاع الحكومي، وذلك وفقًا لاتجاه عالمي جديد يسمى “الريادة الداخلية والابتكار”، والقائم على تحويل الشخص من مجرد موظف يؤدي مهام روتينية موكلة إليه إلى رائد ومبتكر.

https://albiladpress.com/news/2018/3574/columns/510949.html

مقالات ذات صلة

اشتر بالتي هي أحسن!

لكل مقام مقال، ولكل سوق احتياجاته وخصائصه وقوته الشرائية وطبائع المستهلكين فيه، ورائد العمل الذي يصمم خدماته أو منتجاته بناء على معتقداته وليس معتقدات السوق يخاطر بالفشل في مشروعه منذ …

درس من “درب الزلق”

يقدم المسلسل الخليجي الأشهر “درب الزلق” في إحدى مشاهده -عن قصد أو بدونه- رؤية اقتصادية وتجارية بالغة الأهمية، من خلال “ماكينة الأفكار التجارية الفاشلة” الممثل الراحل عبدالحسين عبدالرضا الذي …

عِزَّت عاد وباشر عمله

أتذكر في الأفلام العربية القديمة دور الرجل الشرقي في الخمسينيات والستينيات وهو ذاهب لعمله في الصباح الباكر قبل أن يتوقف لدى “الكشك” ليشتري الصحف اليومية التي كانت تحتوي الأخبار من نوع “عزت …