ذوي الاحتياجات الخاصة

ماذا لو كنت نائبًا؟ (٧)

الحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة في البحرين لا يتعلق بفئة صغيرة أو معزولة. بل بفئة كاملة تعيش بيننا، لكنها ما زالت خارج المنظومة التعليمية الفاعلة. جزء كبير من المشكلة يبدأ من المصطلح نفسه. لسنوات اعتمدنا تعبيرات مثل ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة. هذه المصطلحات كانت محاولة مهذبة للتعامل مع الاختلاف. لكنها تربط المشكلة بالطفل نفسه، وكأن الأصل هو النموذج الواحد، والاستثناء هو هذا الطفل.

اليوم الاتجاه العلمي والتربوي الحديث يقدم مصطلحا آخر هو “ذوي العصبيّة التنموية”. وهو مصطلح لا يصف الطفل بأنه عاجز أو ناقص، بل يصف طريقته المختلفة في التعلم والانتباه والتفاعل مع العالم. يشمل التوحديين، الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة، أصحاب صعوبات التعلم العميقة، والإعاقات الحسية وغيرها. الفكرة هنا ليست لغة أجمل، بل فهم مختلف يقوم على أن النظام هو من يتكيف ليستوعب الطفل، لا الطفل الذي يُجبر على التأقلم مع نموذج واحد لا يناسبه.

أين تكمن المشكلة اليوم؟

التحدي الأكبر لا يبدأ من التشخيص، بل من اللحظة التي تبحث فيها الأسرة عن مدرسة. كثير من الأهالي اليوم يواجهون قائمة انتظار طويلة للدخول إلى مدرسة متخصصة، وإذا وجدوا مقعدا تكون التكلفة فوق قدرة الأسرة المتوسطة. تكلفة التعليم المتخصص والعلاج السلوكي والدعم التعليمي تصل في بعض الحالات إلى أضعاف الدخل الشهري. وهناك أسر اضطرت للاقتراض أو التخلي عن العلاج بسبب ارتفاع التكلفة أو عدم توفر مقعد.

وفي مقابل ذلك، النظام التعليمي العام ما زال غير جاهز. لا توجد مناهج مكيّفة معتمدة، ولا تدريب كاف للمعلمين، ولا فرق متخصصة داخل المدارس. كثير من الأطفال يدخلون المدرسة عاما أو اثنين دون تقدم حقيقي. ليس لأنهم غير قادرين، بل لأن البيئة التعليمية لا تناسب طريقة تعلمهم.

الدمج بدون منظومة

فكرة الدمج تبدو عادلة وإنسانية. لكنها حين تطبق بطريقة شكلية تتحول إلى تجربة مرهقة للجميع. طفل يوضع في صف عام دون خطط فردية أو مساعد تعليمي أو أدوات تواصل. معلم غير مدرب يواجه سلوكا أو صعوبة لا يفهمها. مدرسة تقول إنها تطبق الدمج بينما الواقع لا يتجاوز قبول الطالب فقط.

النتيجة طفل مستنزف، أسرة محبطة، ومعلم يشعر أنه فشل، رغم أن المشكلة الحقيقية في النظام التعليمي لا في الأشخاص.

ماذا لو كنت نائبًا؟

سأتعامل مع هذا الملف كخطة تشريعية وتنموية لا كحالة إنسانية فقط.

الخطوة الأولى حل سريع يعتمد على تمويل حكومي مباشر لتعليم ذوي العصبيّة التنموية في المدارس الخاصة المتخصصة الموجودة حاليًا، مع اشتراط وجود مناهج معتمدة، تدريب إلزامي، خطط فردية حقيقية، وعدد مناسب للطلاب في كل صف دراسي. ويضاف شرط واضح للمدارس المدعومة أن تضع خطة إحلال تدريجية لتوظيف البحرينيين المؤهلين، حتى نرفع جودة التعليم ونبني كوادر محلية في الوقت نفسه.

بهذه الخطوة تخفف الدولة العبء المالي عن الأسر، وتخفف الضغط عن المدارس العامة، وتبدأ لأول مرة بناء منظومة عملية بدل الاكتفاء بالنوايا واللافتات.

الخطوة الثانية مشروع طويل المدى بحجم الحاجة. مدينة تعليمية متخصصة لذوي العصبيّة التنموية. مدينة تضم مدارس متعددة المسارات لكل فئة، فرق مهنية مشتركة بين التعليم والعلاج، برامج جامعية لإعداد كوادر بحرينية متخصصة، ومركز بحثي يرتبط بالجامعات ويقود التطوير المستمر.

المدينة ليست فقط لحل المشكلة داخليا. بل مشروع اقتصادي واجتماعي يمكن أن يستقبل أسرًا خليجية تبحث عن تعليم مناسب لأطفالها. كثير من الأسر ذات الدخل المرتفع مستعدة للانتقال للدول التي توفر بيئة تعليمية متخصصة. البحرين أصلا بيئة اجتماعية مناسبة وحجمها يسمح بإدارة نموذج ناجح وقابل للتوسع. إضافة مرافق مثل الشقق الفندقية أو الإقامة طويلة المدى تجعل المشروع مرجعا إقليميا حقيقيا.

ما الذي يعنيه ذلك للبحرين؟

المكاسب ليست تعليمية فقط. نحن نتحدث عن قطاع جديد كامل. وظائف، تدريب، استثمار، ابتكار، وسمعة دولية. والمدينة يمكن لاحقا تصدير نموذجها إلى دول المنطقة باستثمارات بحرينية وخليجية مشتركة. بدلا من أن تكون القضية عبئا على الأسر، تتحول إلى قيمة مضافة للدولة والمجتمع.

الرسالة الأهم

الطفل الذي يختلف في طريقة التعلم لا يجب أن يختلف في حقه في التعليم. ما نملكه اليوم نص دستوري عظيم. وما نحتاجه هو منظومة تجعل النص واقعا. هل الحل بسيط؟ لا، هل هو ممكن؟ نعم إذا فهمنا أن التعليم لا يعني مقعدا فقط، بل فرصة حقيقية ليعيش الطفل بعدالة ويأخذ مكانه الطبيعي في المجتمع.

مقالات ذات صلة

قانون العزل السياسي 

منذ صدوره في 2018، بقي قانون العزل السياسي حاضرًا في النقاش العام. ليس لأنه يحدد فقط من يحق له الترشح، بل لأنه لامس معنى المشاركة السياسية والحق المدني في أبسط صورها، أن تكون قادرًا على المشاركة أو غير قادر بسبب انتماء سابق.

Responses

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *