ملف العاطلين
ماذا لوكنت نائباً؟ (٢)
من يتابع ملف العاطلين في البحرين يعرف أنه ليس ملفًا جديدًا، وليس موضوعًا عاطفيًا يصعد ويهبط مع مواسم النقاش، بل قضية مستمرة تمس فئة كبيرة من المجتمع، وتشكّل شعورًا عامًا بالقلق حول المستقبل المهني والاستقرار المعيشي. ورغم أن معدل البطالة المعلن يدور حول 6.3% في 2024، وهو رقم يبدو تحت السيطرة، إلا أن الحقيقة لا تُقاس بالأرقام وحدها، بل بما يشعر به الشاب الذي يبحث عن فرصة فلا يجدها، أو يجد وظيفة لا تناسب تخصصه، أو يجدها لكنها لا تكفي لتبدأ بها حياة مستقرة. هنا يصبح السؤال أكبر من رقم، وأعمق من نسبة: هل نحن نخلق وظائف.. أم نخلق انتظارًا أطول؟
أين تكمن المشكلة؟
المشكلة في البحرين ليست غياب الوظائف بشكل كامل، بل في شكلها وتركيبتها وطبيعة توزيعها بين المواطنين والعمالة الأجنبية. هناك وظائف يشغلها غير البحرينيين رغم قدرة المواطن على أدائها، وهناك وظائف متاحة لكن بمرتبات منخفضة لا تشجع الاستقرار، وهناك فجوة واضحة بين ما يُدرس في الجامعات والمعاهد، وبين ما يحتاجه السوق فعليًا، خصوصًا في القطاعات التقنية والخدمية الحديثة.
والخلاصة أن البطالة ليست نقص فرص فقط، بل سوء مواءمة بين المهارة والطلب، وبين حجم الاقتصاد وقدرته على خلق وظائف حقيقية.
لماذا لا تنجح الحلول التقليدية؟
من الخارج يبدو الحل بسيطًا: “أوقفوا تصاريح الأجانب ووظفوا البحرينيين”. لكن الواقع الاقتصادي أقرب إلى معادلة دقيقة لا تتحمل القرارات السريعة. البحرين تنافس دولًا مجاورة تقدم إعفاءات ضريبية، تكاليف تشغيل منخفضة، وأسواقًا أكبر. لذلك أي قرار توظيفي مفروض دون استعداد أو بدائل مدروسة قد يدفع الشركات لنقل عملياتها لدول أخرى بدل الامتثال.
وفي المقابل، لا يمكن أيضًا ترك السوق حرًا بالكامل، لأن ذلك يبقي الوضع كما هو. التحدي الحقيقي هو إيجاد توازن: حماية الوظائف للمواطن دون أن نخسر الاقتصاد أو نفقد القدرة على جذب الاستثمار.
ماذا لو كنت نائبًا؟
لن أتعامل مع هذا الملف بردود فعل أو وعود عاطفية، بل بخطة تشريعية مقسمة إلى أربعة محاور واضحة.
أولها خلق فرص جديدة بدل التنافس على فرص محدودة، عبر تأسيس كيانات وطنية لتصدير الخدمات مثل مراكز الاتصال، الدعم الفني، تحليل البيانات، وتشغيل العمليات عن بُعد لأسواق خليجية وعالمية. هذا النموذج أثبت نجاحه في دول مثل الهند والفلبين، ويمكن للبحرين تبنيه مع توفر اللغة، البنية الرقمية، والاستقرار.
المحور الثاني تحويل البحرين إلى مركز تشغيل إقليمي، بحيث تدير شركات الخليج جزءًا من عملياتها من البحرين عبر حوافز مرتبطة بتوظيف المواطنين، وتشريعات واضحة، ومسار سريع للترخيص، مما يجعل تشغيل البحرينيين خيارًا اقتصاديًا منطقيًا وليس التزامًا إداريًا.
المحور الثالث هو إعادة تصميم الدعم الحكومي ليعتمد على النتائج لا على الوجود، بحيث تُمنح الشركات التي تثبت أنها توظف وتدرب وتحتفظ بالبحرينيين ـ وليس الشركات التي تكتفي بتسجيلهم مؤقتًا. امتيازات ملموسة مثل الإعفاء أو التخفيض في الرسوم الحكومية، ودعم اشتراكات التقاعد، وتسهيلات في الكهرباء والبلدية. بهذا يصبح الدعم أداة لتحفيز التشغيل والاستدامة، لا مجرد برنامج مالي يقدّم للجميع بالطريقة ذاتها.
والمحور الرابع تنظيم العمل الحر بدل تركه عشوائيًا، من خلال رخص مهنية، عقود موحدة، ونظام يحمي المستقل والعميل، ويحوّل هذا النوع من العمل إلى قطاع معترف به لا مساحة رمادية.
إلى أين نذهب من هنا؟
الهدف من هذا المقال ليس تقديم مسودة نهائية ولا اختزال الملف في رأي واحد، بل فتح مساحة نقاش هادئ حول قضية تحتاج تفكيرًا عميقًا لا شعارات سريعة. والواقع أن لدي ملفًا كاملًا بالمقترحات التشريعية، وآليات التنفيذ، والقطاعات القادرة على خلق وظائف نوعية خلال السنوات القادمة، وسيكون هذا الملف جزءًا من السلسلة القادمة تحت عنوان: ماذا لو كنت نائبًا؟
هل الحل بسيط؟ لا.
هل ممكن؟ نعم، إذا أُدير بالعقل، لا بردود الفعل.
Responses